بالرغم مما تكبده العالم من خسائر فى الإقتصاد و الأرواح لسنوات طويلة بسبب جائحة كوفيد – 19 ، إلا ان هذه الجائحة يمكن أن نعدها محنة فى داخلها منحة عظيمة ، فبها تشكلت سلوكيات صحية مجتمعية جديده تبنت السبل الوقائية و الإجرات الإحترازيه كنمط و سلوك معيشي جعلنا نتعايش مع هذه الجائحة بكل وعي و إقتدار ، و عدنا الى واقع حياتنا الطبيعية و نحن نحمل فى عقولنا فكر جديد يعزز مفهوم الوقاية و يرسخ سلوك الحمايه الفردية و المجتمعيه من الأمراض المعديه . و لم تقتصر هذه المنحة على ذلك فقط بل بدأنا نلحظ و نلمس إهتمام الدول و بالذات تلك التي خاضت تجربة الجائحة المريرة بخسائر عظيمة و التي وضعت نصب عينيها هاجس عودة تفشيات الأمراض المعديه وسارعت فى إعادة أولويات تشغيل نظامها الصحي ليضع رصد و إحتواء الأمراض المعدية فى أعلى قائمة أعمالها للحفاظ علي سلامة المجتمعات و إقتصاد الأوطان .
و بعد النجاح الباهر الذى أبرزته المملكة العربية السعودية فى إحتواء الجائحة و إدارتها بكفاءة لتحديات تفشى الوباء بأسلوب حرفي و ذكي منقطع النظير، بفضل الله أولا ثم بفضل القرارات الحكيمة و الإجراّت الإستباقية التى وجهت بها حكومتنا الرشيده و تبنتها وزارة الصحة و القطاعات المشاركه لهو مثال فريد و نموذج يحتذى به فى إدارات الجوائح .
و اليوم ونحن نشهد المتغيرات الديموغرافية للمجتمع السعودي ، و الذى فيه سيتضاعف عدد السكان و فئة كبار السن و يزداد العمر الإفتراض للفرد السعودي الي 81 عام بإذن الله بحلول عام 2045 ، وتتزايد فيه معدلات الإصابه بالأمراض المزمنه مثل الضغط و السكرى و أمراض القلب وغيرها ، الأمر الذى سيجعل من الفرد المعمر أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعديه و ذلك لضعف المناعة الذاتيه و قصور الإستجابة الفاعلة للجسم للتصدي بكفاءه ضد هذه النوعية من الأمراض المعدية
وإذا كنت سألقى الضوء اليوم على فئة البالغين ممن هم فوق 50 عام فأكثر ، فإننا سنجد أن مرض الحزام الناري هو من أشد الأمراض المعدية ترصدا لهذه الفئة من المجتمع ، حيث كلنا نعي ان القصة تبداء مبكرا منذ الطفولة حين يصاب الأطفال بفيروس الجديرى المائي ( Chicken Pox ) ،
و بعد الشفاء منه يبقى الفيروس خاملا فى بعض العقد العصبة ، و ينشط من جديد بعد مرور عقود من الزمن حيث يعاود الظهور فى صورة الحزام النارى عند كبارالسن حيث يعانون من حراره أو حرقان سطحي فوق الجلد مصحوب بحكه و بعد بضعة أيام تظهر البثور أو الطفح الجلدى المؤلم فى صورة حويصلات مائية بارزة من سطح جلدي ملتهب يمثل مسار نطاق عصبي محدد ، و عادة ما يكون فى منطقة الصدر أو البطن ، و لعل أشدها خطورة هو مايصيب العين الهربس النطاقى العينى ( Herpes Zoster Ophthalmicus)
حيث من الممكن ان يتسبب فى إصابة القرنية و التهابات قد تؤدى الى فقدان البصر لا قدر الله . و لعل الفئات المعرضة لخطر الإصابه ليسوا فقط كبار السن فوق 50 سنة بل أيضا كل من أصيب جهازه المناعي بضعف بسبب استخدام الأدوية المثبطة للمناعه مثل الكورتيزونات و أدوية العلاج الكيميائي و العلاج الإشعاعي للسرطان و مرضى الأمراض المزمنة و زراعة الأعضاء .
و من الجدير بالذكر انه من الممكن أن يكون الحزام النارى مُعديًا، حيث ينقل الشخص المصاب به العدوى لأى شخص ليست لديه مناعة ضد فيروس الجدرى المائى، وتحدث العدوى عادة لدى ملامسة إحدى البثور المفتوحة من الطفح الجلدي الذى سببه حزام النارى ، و يصاب المريض بهذه بالحزام الناري مرة واحدة في حياته، ومن النّادر أن تتكرر الإصابة بهذا المرض لمرتين أو أكثر، وتُشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض مرتفعة نسبيا،حيث يصاب شخص من بين كل ثلاثة أشخاص بهذا المرض على مستوى العالم ،
كما أوضحت أحد الدراسات الحديثة بان مرضى أمراض القلب من كبار السن لديهم احتماليه الإصابه بالحزام الناري بنسبة 20 -30% و مرضى الإنسداد الشعبي الرئوي 30% و مرضى السكرى 40% . و بسبب الجهاز المناعي المنهك بعد التشافى من كوفيد 19 تصل إحتمالية الإصابه بالحزام الناري الي 15 % .
و قد تستغرق مدة الإصابة بالحزام الناري حتى تمام الشفاء فترة تتراوح من أسبوعين إلى خمس أسابيع، و من أشد المضاعفات حدوثا بعد الشفاء من مرض الحزام الناري هو الألم العصبي التالي للهربس و هو من أكثر مضاعفات الحزام الناري انتشارًا، ويظهر على شكل ألم يحدث في نفس المنطقة التي ظهر فيها الطفح الناتج عن الحزام الناري، ولكن الألم يستمر لمدة طويلة قد تصل إلى أشهر أو سنوات، وفي بعض الحالات يستمر الألم مدي الحياة ،
فيه يتألم المريض و يفقد قدرته الوظيفيه فى القيام بأعماله و يفقد الإحساس برفاهية الصحة و الحياة و يصاب بالإحباط و الإكتئاب بسبب الألام المبرحة و التي تستجيب جزئيا الي بعض الأدويه المتقدمه فى علاج الألم .
و للوقاية من الحزام الناري وفرت وزارة الصحة حاليا لقاح Shingrix)) ، ويتم أخذه على هيئة جرعتين أعلى الذراع، على أن يتم الحصول على الجرعة الثانية خلال 2-6 أشهر من تلقي الأولى، أن اللقاح يلعب دورا في تقليل خطر الاصابة بنسبة تزيد على % 90 لعمر الخمسين سنة و مافوق.
و هنا أدعوا كل أفراد المجتمع ممن هم فوق الخمسين عاما لتلقى اللقاح الذى سيقيهم بإذن الله من مضاعفات مرض الحزام الناري و التخفيف من تبعياته و عواقبه ، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج .