الرياض، المملكة العربية السعودية، 5 سبتمبر 2023: شهد العقد الماضي توجّهاً ملحوظاً نحو تبنّي ابتكارات التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي، حيث بادر المزيد من الشركات والمؤسسات إلى الاستفادة من مثل هذه الابتكارات التكنولوجية لدعم عملياتها الآلية والارتقاء بفعالية منتجاتها والخدمات التي تقدّمها للعملاء.
وبالرغم من توجّه الشركات والمؤسسات إلى استخدام تكنولوجيا التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع منذ فترة طويلة نسبياً، لم يحصل الكثير من الأفراد على فرصة تجربة هذه التكنولوجيا على المستوى الشخصي سوى خلال الأشهر القليلة الماضية، ومعظمها كان على شكل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، الذي وضع الذكاء الاصطناعي في مقدّمة اهتمامات الجمهور. وقد أدّى ذلك إلى تعزيز المنافسة على الساحة الدولية لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وكما هو الحال مع أيّ ابتكار، لا شكّ في أنّ استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي سيعود بآثار إيجابية وسلبية في الوقت نفسه على مختلف الثقافات حول العالم، في ظلّ توقّع استفادة عدد قليل من الجرائم السيبرانية بطريقة أو بأخرى. فأننا نعيش اليوم في عصر التحوّل الرقمي، حيث باتت تزداد الهجمات السيبرانية بشكل ملحوظ، بينما يسهم الذكاء الاصطناعي في تسهيل عمليات المجرمين وتعزيز كفاءتها ودرجة تعقيدها وإتاحة فرص تطويرها، بعيداً عن خطر الكشف عن هويتهم وربط الجرائم السيبرانية بهم.
وفي هذا الإطار، يقول فادي يونس، رئيس الأمن السيبراني لدى سيسكو في الشرق الأوسط وأفريقيا وقسم مزودي الخدمات في أوروبا الشرق الأوسط وأفريقيا: “باتت الهجمات الإلكترونية اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أكثر تعقيداً وإصراراً، في ظلّ اعتمادها على أحدث الابتكارات التكنولوجية لمواصلة تطوّرها وتوسيع نطاقها. ولمواجهة مثل هذه الهجمات، يلجأ العالم اليوم نحو الابتكار بشكل كبير وملحوظ في مجال الأمن السيبراني عبر الاستفادة من العمليات الآلية والذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي والكشف المسبق والمعالجة الاستباقية والوقاية. فالهدف الأساسي للمعايير الأمنية يتمثل في منع التهديدات، ولكن عندما يتعذّر علينا منعها فيجب الكشف عنها على الفور للاستجابة لها ومعالجتها وتسجيلها فور ظهورها أو قبله بقليل.”
إتاحة فرص انتشار الجرائم السيبرانية
يُعدّ تراجع الحاجة إلى العنصر البشري في مجالات محدّدة من منظمات الجرائم السيبرانية من الآثار الرئيسية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الجرائم السيبرانية، مثل تطوير البرمجيات والاحتيال والابتزاز وما إلى ذلك. ويؤدي هذا التوجّه بدوره إلى الحدّ من الحاجة للاستعانة بأفراد جدد وخفض التكاليف التشغيلية، نظراً لانخفاض عدد الأفراد المشاركين في مثل هذه الجرائم.
بالإضافة إلى ذلك، توفّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وسائل أخرى يمكن لمرتكبي الجرائم السيبرانية الاستفادة منها، لتحليل كميات هائلة من المعلومات، بما في ذلك البيانات المسرّبة. وتتيح لهم مثل هذه التحليلات تحديد نقاط الضعف أو الأهداف ذات القيمة العالية، بما يمكّنهم من القيام بهجمات سيبرانية أكثر دقة وفعالية وتحقيق المزيد من المكاسب المالية.
ويُعدّ تطوير هجمات التصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية الأكثر تعقيداً من الجرائم السيبرانية الأخرى التي قد تزداد بفعل توسّع نطاق استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك إنشاء صور مزيفة وواقعية جداً ومواقع إلكترونية مخادعة وحملات تضليل وملفات تعريف احتيالية على وسائل التواصل الاجتماعي وروبوتات احتيال مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
مكافحة الجرائم الإلكترونية
وفي المقابل، يمكن لخبراء الأمن السيبراني والجهات الداعمة له ووكالات إنفاذ القانون تسخير طاقات الذكاء الاصطناعي لمواجهة التقدّم الذي تحرزه الجرائم السيبرانية اليوم. فيمكنهم بالطبع استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات وتكتيكات واستراتيجيات مبتكرة من شأنها أن تدعم مساعيهم لمكافحة الأنشطة الخبيثة.
وسيكون الكشف عن التهديدات والوقاية منها في مقدّمة أولويات الأبحاث المرتبطة بأمن الذكاء الاصطناعي. وتعتمد الكثير من الأدوات الأمنية المتوفرة اليوم بشكل ملحوظ على توقيعات الشيفرات الخبيثة ومدخلات المستخدم، الأمر الذي يجعلها غير فعّالة في الكشف عن الهجمات المتقدّمة. ونتيجة لذلك، يتجّه عدد متزايد من الشركات نحو تقنيات التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي، للكشف عن التهديدات بطرق أكثر دقة وفعاليّة. ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال هما نظام “سيسكو” للنقاط النهائية الآمنة (Cisco Secure Endpoint) ونظام “Cisco Umbrella”، اللذان يعتمدان على تقنيات التعلّم الآلي المتقدّمة للكشف عن أيّ سلوك مشبوه والحدّ منه بشكل آلي على الأنظمة المضيفة النهائية والشبكات على التوالي.
وتستفيد مجموعة “Cisco Talos” كذلك من الذكاء الاصطناعي منذ سنوات عديدة، لتبنّي عمليات آلية لجمع البيانات المرتبطة بالتهديدات، مثل تصنيف صفحات الويب المعروضة بشكل مشابه، وتحديد محاولات الانتحال عبر تحليل الشعارات، وتصنيف رسائل البريد الإلكتروني للتصيد الاحتيالي بالاستناد إلى تحليلات النص، وتحليل أوجه التشابه الثنائية.
باختصار، يترافق توسّع نطاق استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع تحديات جديدة وفرص كبيرة، في ظلّ النمو المستمرّ في قاعدة المستخدمين والتطبيقات ذات الصلة. وسوف يلعب الاستخدام الفعّال والهادف لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تمكين خبراء الأمن السيبراني ووكالات إنفاذ القانون من الكشف عن السلوك الإجرامي الرقمي والتصدّي له وتحديد هوية مرتكبيه.
وبذلك، تستطيع هذه الجهات أيضاً من خلال تسخير طاقات الذكاء الاصطناعي تعزيز قدراتها في مجال التصدّي للتهديدات المغيّرة باستمرار والحفاظ على أمن النظم الرقمية المتكاملة. وفي ظلّ التطوّر المستمرّ الذي تشهده الجرائم السيبرانية اليوم، سيكون تبنّي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حتمياً بلا شكّ للبقاء في الصدارة والتغلّب على الهجمات الخبيثة.