حين أرادت صديقات ريوف الحميدي تعريف أنفسهن عبر تطبيق المحادثة “واتساب” لم يعتمدن على أسمائهن، بل استخدمن الرموز التعبيرية (إم جوي).
تقول الحميدي: “صديقاتي اللواتي لا يرتدين الحجاب وجدن شيئاً يعبر عنهن. أما أنا فاضطررت إلى عدم اختيار صورة لامرأة ترتدي الحجاب؛ لأنه لا توجد واحدة”، وهو ما قررت طالبة المدرسة الثانوية التي تبلغ من العمر 15 عاماً تغييره.
قدمت المراهقة (سعودية الأصل وتعيش في برلين) اقتراحاً جديداً لهيئة يونيكود بوجود “إم جوي” ترتدي الحجاب، وهي المنظمة غير الربحية المسؤولة عن تنظيم الابتكار والموافقة على الرموز التعبيرية.
وقالت لي صباح الثلاثاء عبر برنامج سكايب: “كنت أريد شيئاً يمثلني، ويمثل ملايين النساء اللاتي يرتدين الحجاب كل يوم، ويفخرن به”.
ووُضع اقتراحها، الذي ينال الآن دعم أحد مؤسسي موقع رديت Reddit، مساء الثلاثاء على منصة “اسألني أي شيء” Ask me anything.
تُعتبر “إم جوي” الآن بالنسبة للمراهقين خاصة مثل الحميدي، أكثر من مجرد وسيلة ممتعة لزخرفة المحادثات الرقمية بين الأصدقاء، بل تُعتبر – وبشكل متزايد – هي المحادثة نفسها “إنها اللغة الجديدة”، كما تقول الحميدي.
وبينما يغدو المراهقون الذين يستخدمون “إم جوي” بطلاقة شباباً، تتشكل طريقة كتابة بصرية جديدة في تواصلنا عبر الإنترنت. وهو ما دللت عليه قواميس أوكسفورد في عام 2015، حين جعلت الرمز التعبيري “وجه بدموع الفرح” هو “كلمة” عام 2015.
إم جوي ليست حكراً على رسائل المراهقين
قالت أوكسفورد وقتها: “لم تعد (إم جوي) حكراً على رسائل المراهقين النصية، بل صارت تُستخدم كشكل دقيق من أشكال التعبير، شكل بإمكانه عبور الحواجز اللغوية”.
بدأت “إم جوي” تتنوع ببطء، استجابة لدعوات جعلها أكثر تمثيلاً للأشخاص الذين يستخدمونها. على سبيل المثال، أصبح من الممكن تعديل لون البشرة للرمز التعبيري “الإنسان”.
وصرحت هيئة يونيكود هذا الصيف بأنها ستدعم نحو عشرات “إم جوي” المهنية الجديدة التي تظهر الرجال والنساء العاملين في مجموعة من المهن المختلفة.
وكتبت الحميدي في مسودة اقتراحها: “نُحيي يونيكود على تنويع (إم جوي) في السنوات الأخيرة. مع ذلك لا يعني هذا أن عليها التوقف الآن. ومع قدر الاختلافات الموجودة في هذا العالم، يجب أن يتم تمثيلنا”.
تُعد عملية اقتراح “إم جوي” جديدة مستنقعاً معقداً من الاقتراحات المكتوبة والمراجعات واجتماعات اللجان. وهي الخطوات التي تستغرق الكثير من الوقت، ولا تخلو من الإجراءات الروتينية. كما أن هذا لا يمثل نهاية رحلة “إم جوي” من الفكرة إلى الواقع.
فالشركات الفردية التي تعرض هذه الرموز في أنظمة التشغيل الخاصة بها يجب أن تقوم بتصميمها ودعمها، وهذا هو السبب في ظهور نفس “إم جوي” بشكل مختلف عند إرسالها من جهاز أندرويد إلى جهاز آيفون.
إرسال الملاحظات
بلا معرفة مسبقة عن الوجهة التي ينبغي عليها التوجه إليها، أرسلت الحميدي ملاحظة قصيرة بدايةَ هذا الصيف إلى شركة آبل لتطلب رمزاً للحجاب. ورغم أن آبل كانت قد دعت مسبقاً إلى إتاحة مجال للتنوع في “إم جوي”، فإن طلب الحميدي من قسم خدمة العملاء بالشركة لم يلقَ آذاناً صاغية. لكن الحميدي عرفت وجهتها بعد مشاهدة مقطع لـ Mashable على سناب شات، احتوى على توجيهات لكيفية اقتراح “إم جوي”.
تقول الحميدي: “لم أتابع Mashable من قبل. لكن ذات يوم، فكّرت: لِم لا؟ ومن ثم فتحت إحدى المشاركات هناك”. وكانت المشاركة تشرح كيف بإمكان أي شخص أن يقترح “إم جوي” لهيئة يونيكود، مُقدماً بعض التلميحات السريعة عن كيفية فعل هذا. شعرت الحميدي وقتها بسعادة غامرة. “لقد بدا الأمر مقدّراً، حقّاً!”.
سارعت الحميدي بإرسال فقرتين حول فكرتها إلى الهيئة، أي أنها لم ترفق التفاصيل، والتصميمات، وغيرها من الاعتبارات التي عادةً ما تؤخذ في الحسبان عند اقتراح “إم جوي”. لكن أحد أعضاء لجان الهيئة تواصل مع الحميدي منذ 3 أسابيع لمساعدتها في تطوير فكرتها حتى يمكن أخذها في الاعتبار بشكل رسمي.
اليوم يصل مقترحها إلى حوالي 7 صفحات، ويحظي بتأييد أليكسيس أوهانيان، أحد مؤسسي Reddit. كما شارك أحد فناني الغرافيك باقتراح تصميم لما يمكن أن يبدو عليه “إم جوي” للحجاب إذا ما تم اعتماده. ويساعد عضو لجنة هيئة يونيكود في بعض من التدقيق التقني الذي يرافق أي فكرة “إم جوي” جديد.
ومن المنتظر أن يسفر مقترح الحميدي عن “إم جوي” جديد – للحجاب أو غطاء الرأس – الذي يمكن أن يُقرَن بعدد من الوجوه المتوافرة حالياً لتظهر مرتديةً الحجاب. يبدو الأمر وكأنه وضع لبعض الأزياء على بعض الدُّمَى. وتعد هذه الطريقة القائمة على دمج “إم جوي” هي ذات الإجراء الذي تستخدمه هيئة يونيكود للسماح باستخدام رموز “مهنيّة” متنوعة الجنس.
المرحلة الأخيرة
ووصل المقترح إلى المراحل الأخيرة للمراجعة في استعداد لاعتماده رسميّاً في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وفي حالة اعتماده بشكل كامل فسيظهر “إم جوي” في منتصف العام القادم، ويمكن لأنظمة التشغيل المختلفة البدء في دعمه لاحقاً في ذات العام.
وبينما يركز مقترح الحميدي على الطلب الواسع “إم جوي” للحجاب بين الفتيات المسلمات والدول الإسلامية، فإنها تأمل أن يتم استخدامه – في حال نجاحه – على نطاق أوسع من المعاني الدينية المباشرة. ففي جزء من مقترحها توجز الحميدي بعض تلك المعاني الأخرى الممكنة:
في عدة أديان أخرى ترتدي المرأة غطاء الرأس كعلامة على الاحتشام والحياء، بما في ذلك المسيحية واليهودية.
يمكن لهذا “إم جوي” أن ينقل المشاعر الدينية (بين مستخدميه).
يمكن كذلك أن يمثل شهر رمضان، والعيد، وأيّة احتفالات دينيّة أخرى.
بعض المصابات بالسرطان يرتدين غطاء الرأس، وهو ما يمكن لهذا “إم جوي” أن يعبر عنه.
أو بكل بساطة، يمكن أن يعبر عن امرأة تحب ارتداء غطاء الرأس.
حتى الآن لا تتوقع الحميدي من الجميع دعم فكرتها، قائلةً: “أعرف بالطبع أن هناك أناساً سيعارضونها. قد يقول بعضهم: هذا أمر تافه، لمَ تنشغلين بهذا؟ لكن لو فكرت في مدى التأثير الذي تتركه “إم جوي” اليوم على مجتمعاتنا الحديثة وعبر التواصل الإلكتروني، ستفهم لماذا أنشغل بهذا الأمر”. وتضيف في ختام حديثها: “إنها في كل مكان. تنتشر الرموز التعبيرية في كل مكان”.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.