بقلم: فيجي جاسوال، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا وتقنية المعلومات في شركة سوفتوير أي جي الشرق الأوسط وتركيا
53 69 3.5
تحمل هذه الأرقام الثلاثة في طياتها المعلومات التالية المستقاة من نشرة غارتنر السنوية التي جاءت تحت عنوان ( أجندة مدراء تقنية المعلومات لعام 2021: نظرة حول البنوك ):
- 53% من مدراء تقنية المعلومات في البنوك يرى أن أداءهم كان متقدما، بل تخطى ما كان يمكن أن يكون عليه لو لم يطل وباء كوفيد – 19 برأسه على العالم.
- 69% ممن شملهم استطلاع المؤسسات البنكية أكد أن مدراء تلك المؤسسات طالبوا مسئولي تقنية المعلومات لديهم بالعمل وفق مبادرات ذات بعد استراتيجي وقيمي أكثر تقدما.
- إزداد عدد البنوك التي تبنت القنوات الرقمية للوصول إلى العملاء بمقدار ثلاثة أضعاف ونصف، وهي بذلك باتت مرشحة لتكون من الأفضل أداء في المستقبل.
مرت البنوك بمسيرة تطور على مدى السنوات الماضية. ساعدها في ذلك نشوء عدد من الأزمات المالية التي عصفت بالعالم، وانتشار وباء كوفيد – 19 الذي نال بعض الشيء من أداء تلك البنوك. وقد كان من ثمار مسيرة التطور هذه ازدياد درجة الشبه في الخدمات المقدمة للعملاء..
مع تزايد عدد العملاء الأفراد والتجاريين الذين يلجؤون إلى استعمال القنوات الرقمية ومنافذ الخدمة الذاتية، لم يعد أمام البنوك العاملة في المنطقة خيار سوى تبني مثل هذا التوجه، والمباشرة بإطلاق قنواتها وخدماتها الرقمية، علاوة على أن الطلب على المنتجات والخدمات الرقمية الجديدة سوف يتزايد في المستقبل. وفي كل مرة يعثر فيها العملاء على خدمات أو منتجات رقمية متطورة، فإن تلك التوقعات سرعان ما تنتقل إلى خدمات ومنتجات أكثر تطورا من سابقاتها.
من المتوقع تصاعد الطلب على الخدمات والمنتجات الرقمية المصرفية،فمع كل تطور يلمسه العملاء في الخدمة المصرفية، سوف يرتفع لديهم سقف توقعاتهم إلى مستوى أعلى وأعلى. ومع ارتفاع سقف توقعاتهم هذا، سوف يظهر على الساحة منافسون جدد في القطاع البنكي.
مكن التحديث الذي طرأ على القطاع المصرفي كبار اللاعبين من الدخول إلى السوق بقوة والبقاء في حالة من التحفز للانتقال الرقمي، وكذلك الأمر بالنسبة لتقنية الخدمات المصرفية، وبخاصة مع الاستعداد للانتقال للمرحلة التالية منه. وفي جميع دول العالم،تسعى المؤسسات الحكومية لتبني مبادرات جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لدول المنطقة، ومنها المملكة العربية السعودية، والتي يخطط فيها البنك المركزي لإطلاق عمليات المصرفية المفتوحة خلال النصف الأول من عام 2022، علما بأن التراخيص الممنوحة للمؤسسات المالية غير البنكية في المملكة زادت العدد الإجمالي للشركات المرخصة من جانب البنك المركزي إلى 15، متخطية بذلك الهدف الذي حدده ” برنامج تطوير القطاع المالي “، وهو ثلاث شركات مرخصة بحلول عام 2020.
في يناير 2021، أطلق البنك المركزي السعودي سياسة البنوك المفتوحة في إطار سعي المملكة لتنويع الخدمات البنكية، وانطلاقا مما جاء في برنامج تطوير الخدمات البنكية، والذي يعد جزءا من رؤية المملكة 2030. وقد جاءت هذه السياسة في أعقاب سلسلة من المبادرات التي انطلقت منذ عام 2018 بهدف تعزيز القطاع المالي، والذي بدأت المملكة تجني ثماره الآن على شكل ارتفاع جودة أنظمة المدفوعات، وبخاصة بعد إطلاق برنامج تطوير الخدمات البنكية. ومنذ عام 2018، ازداد عدد الشركات الناشئة العاملة في مجال التقنية المالية من عشر شركات إلى أكثر من ستين شركة، 40% منها تعمل في مجال تسوية المدفوعات المالية.
هناك العديد من العوامل التي تجعل من السوق السعودية مهيأة لثورة حقيقية على صعيد المصرفية المفتوحة بسبب عدد البنوك القليل نسبيا لديها، والذي يعني أنه يمكن أن يكون تبني مثل هذه الخدمات أسرع مما عليه في الأسواق الأخرى. كما أن ارتفاع نسبة الشباب في المملكة سوف يضاعف من الإقبال على التسديد باستعمال الوسائل الإلكترونية. وهذا الأمر لم يكن ليأتى لولا الدعم الحكومي للتقنيات المالية الحديثة . يذكر أن المملكة تملك واحدا من أفضل أنظمة الدفع في العالم،والتي تعمل كلها تحت إشراف البنك المركزي،وبخاصة النظام المعروف باسم سداد ( وهو اختصار لـ نظام المدفوعات وعرض الفواتير الإلكترونية السعودي )، والذي سهل كثيرا من عمليات السداد والتحويل بين الحسابات، وهو الأمر الذي يشكل تربة خصبة لانطلاق عمليات المصرفية المفتوحة بكل قوة.
في ظل الخدمات البنكية المفتوحة يمكن تشارك البيانات بصورة آمنة، وأن يكون للعملاء خيار المصادقة على دخول مزودي الطرف الثالث لتأمين موافقة واضحة. أيضا، لهذا النوع من المصرفية القدرة على تعزيز الثقة في العملاء وأطراف السوق الآخرين،وبالتحديد البنوك، وكذلك شركات الخدمات المالية الرقمية. لا شك أن قيادة التحديث المباشر وتطوير منتجات وخدمات جديدة سواء داخل الشركات أو بالتعاون مع أطراف ثالثة سوف ينمي قيمة اللاعبين الماليين، و يزيد الإيرادات والشمول المالي والمنافسة والحصول على الإئتمانات التي يحتاجها عدد كبير من الأفراد، وكذلك المساهمة في الصحة والوعي المالي، ومساعدة ذوي الدخل المتدني على ترشيد الإنفاق والرقابة على الأمور المالية وضمان إدارة فعالة للمعلومات والعمليات المالية.
ماذا لو كان باستطاعتك الحصول على موارد خارجية أو البيع عبر قنوات جديدة؟ هنا، يمكنك التعاون مع شركاء ضمن مجال عملك لإطلاق خدمات جديدة تشكل قيمة مختلفة وجديدة، وجعل خدماتك متوافرة وجاهزة للبيع من خلال قنوات جديدة عائدة لشركائك. ليست كل الدول لديها خدمات مصرفية مفتوحة مثلما هو عليه الحال في الإتحاد الأوروبي، بل الدافع نحو الخدمات المصرفية المفتوحة ليس مجرد تشريع يصدر عن البرلمان، بل ضرورة يفرضها واقع التنافسية والنمو المستقبلي؛ إنه ” النفط الجديد ” الذي يشغل محرك بيانات العملاء،ويذهب بهم إلى ما هو أبعد من عمليات الدفع التقليدية التي اعتادت البنوك القيام بها.
مثل هذه الخدمات البنكية المفتوحة لا شك أنها تتطلب بنية تحتية قادرة على إجراء عمليات لم تعتد القيام بها سابقا مثل الدخول على بيانات العميل وعملياته وغير ذلك من البيانات التي كانت محمية على مدى سنوات وعقود طويلة؛ هذه البيانات والمعلومات باتت اليوم أمورا حيوية بالنسبة للشركاء لتمكينهم من العمل مع ميزات لم تكن تحت سيطرتهم سابقا. ومع بقاء عنصري الأمان والحوكمة على رأس الأولويات، فقد بات بالإمكان نقل تلك البيانات والمعلومات وعرضها بكل بساطة عبر واجهات التطبيقات.
تبدو صورة الخدمات البنكية المفتوحة في الشرق الأوسط الآن مثيرة للغاية مع استعداد المؤسسات المالية للمرحلة السابقة لسن التشريعات والسياسات الشاملة المنظمة لتلك الخدمات. كما تعمل البنوك على تعزيز خدمات العملاء وزيادة معدلات ايرادات الخدمات البنكية المفتوحة تمهيدا للعمل في إطار منظم للخدمات البنكية المفتوحة الشاملة. يتم الآن العمل على مبادرات حول الخدمات البنكية المفتوحة في الشرق الأوسط. في المملكة العربية السعودية، وبالتناغم مع رؤية 2030، صادق البنك المركزي السعودي مؤخرا على سياسة البنوك المفتوحة لتمهيد الطريق لشركات التقنيات المالية في المملكة باعتبارها من اللاعبين الأساسيين في عمليات التداول السريع للائتمانات ورؤوس الأموال بهدف تعزيز الناتج الوطني الإجمالي والتقليل من الاعتماد على النفط وتنويع الإقتصاد وتطوير الخدمات العامة.
من أهم الأمثلة على دخول البنوك على خط الخدمات البنكية المفتوحة هي أنه يمكن لأي عميل يرغب بشراء منزل وقبل أن يتقدم للحصول على رهن عقاري، طلب استشارة من البنك عبر التطبيق المخصص لهذا الغرض، والذي يمكن أن يعرض على العميل أيضا عددا من الجهات ذات العلاقة كالمطورين العقاريين والمحامين وشركات التأمين وخبراء البستنة والاستشاريين، لإتاحة الفرصة أمام العميل لاتخاذ قرار شراء مدروس في النهاية. وهنا، تظهر قيمة وأهمية البنك للعميل كشريك في عملية الشراء وعدم الاكتفاء به كجهة مقدمة للرهن العقاري فقط.
من الطبيعي أن تكون البيانات هي العامل الأساسي في نجاح الخدمات البنكية المفتوحة. في السابق، كانت البنوك عبارة عن كيانات مهمتها إبقاء بيانات العميل في وضع سري وآمن داخل جدران تلك البنوك، أما بنوك اليوم فقد باتت بياناتها تتطلب المشاركة مع جهات خارجية.
للاستعداد لمرحلة الخدمات البنكية المفتوحة، يجب أن يكون هناك فهم واضح حول سلوك العميل والتحلي بالقدرة على إيصال الخدمات المرنة والقابلة للترقية وفي الزمن الحقيقي أيضا. ولإنجاز ذلك، يجب أن تصمم البنوك واجهات تطبيقية آمنة لضمان وصول العملاء إلى البيانات والخدمات. من خلال التحكم بتدفق البيانات عبر الواجهات التطبيقية المفتوحة، يمكن للبنوك التخفيف من المخاطر المترتبة على المنافسة، وفي نفس الوقت تزويد العميل بمجموعة مخصصة وواسعة من الخدمات البنكية لتعزيز نمو القطاع المالي ككل.
من أهم عوامل نجاح الخدمات البنكية المفتوحة المرونة على صعيد التطبيق والإدارة من خلال مجموعة من الواجهات التطبيقية لمواجهة فرص توسع الشركاء في المستقبل، وخلق قيمة جديدة، وزيادة الإيرادات. وهذا الأمر سوف يحدث لا محالة، وهو تغيير سوف يتحقق بصورة مستمرة، ويحدث ثورة في عالم الخدمات المالية عمادها التطبيقات والتغيرات والنقلات الدرامية في هذا القطاع إقليميا وعالميا.